حظي مســار الحل العا ئلي لقضية الأمير حمزة بدعم واسع من الأردنيين، وأمام الموقف الموحد للأسرة الهاشمية، وحكمة الأمير الحسن بن طلال، وصلابته وثقله، لم يكن أما م الأمير حمزة سوى الانصيا ع وتوقيع رسالة يتعــهد فيها بالولاء والطاعة لجلالة الملك عبدالله الثاني وولي عهده، والالتز ام بثوابت الدســتور الأردني، التي حمت الأردن لقرن من الزمان
حدث ذلك بالتزامــن مع توقيف رموز الفتنة وبدء التحقيق معهم فيما توفر من معلومات خطيرة عن نشاط عملياتي بلغ حد الحديث عن ساعة الصفر ، و وقت التحرك
لكن ينبغي هنا توضيح جملة من الحقا ئق الأساسية. توقيع الأمير حمزة على تعهد بالولاء والطاعة، بداية وليست النهاية، وعلى عاتقه تقع مسؤولية ترجمة ما كتب في رسالته إلى ممارسات فعلية، أهمها الالتزام بالدستور وثوابته، وبقانون الأسرة المالكة للعام 1937
الحقيقة الثانية، أن امتثال الأمــير لا يعفيه من المسؤ ولية عن دوره في القضية. كان الاعتقاد الأو لي بأن رموز الفتنة عملوا على توظيف الأمير لتحقيق مآربهم، لكن المعلومات الاستخبارية التي جرى جمعها على مدار أشهر تشير بوضوح إلى دور مختلف للأمير، وانخراط كامل في عمليات التحضير لساعة الصفر
لقد مثلت هذه الحقائق الحا سمة صدمة كبيرة لأفراد الأسرة الهاشمية حين تم إطلاعهم عليها، وقبل ذلك للملك عبدالله الثاني والذي استرجع لحظتها سيرة طويلة من الوقائع والأحداث والنقاشات مع الأمير حمزة كان يأمل منها إعادته لصف العائلة والدستور دون جدوى. لقد بلغ الوهم حدا جنونيا عندما اشتــرط الأمير تولي قيادة الجيش والإشراف على الأجهزة الأمنية ليتوقف عن نشاطاته المناوئة للحكم، في تحد صارخ لنص دستوري واضح وصريح.
وإلى أن يكتمل التحقيق وتصدر لائحة الاتهام بحق المتهمين، وما فيها من اعترافات غزيرة، سيدرك الرأي العام حجم القضية وخطورتها، وسيحصل الكثيرون على جواب عن سؤال هيمن على الفضاء العام عن وجاهة الربط بين الأمير وباسم عوض الله، الذي انخرط قبل ذلك في نشاط سياسي خارجي لإضعاف موقف الأردن في مواجهة الضغوط للقبول بصفقة القرن ومخرجاتها الكارثية على مصالح الأردنيين ودولتهم وحقو ق الفلسطينيين التاريخية في الحرية والاستقلال والدولة المستقلة. ستكشف الوقائع كيف يمكن للمصالح والطمو حات والأوهام أن تجمع بين الطرفين.
والحقيقة الثالثة، هي أن الأمير كان يبيت النوايا المسبقة، بدليل أنه حرص على تسجيل وتصوير كل ما يحصل وبثه على الفور للخارج عبر صديقه ”دحلان” السعودي المقيم في لندن. وحين زاره رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء يوسف الحنيطي في منزله، لم يكن الأمير يعرف مسبقا فحو ى الرسالة التي يحملها اللواء الحنيطي، لكنه ورغم ذلك حرص على تسجيل الاجتماع منذ لحظة وصول الحنيطي، وافتعال مشكلة والزعم بأن رئيس هيئة الأركان يهدده، رغم أن كلام الرجل لم يحمل أي تهديد بل اتسم بلهجة مؤدبة وواضحة لا تقبل التأويل.
كما حرص الأمير فور انتهاء اللق ء على إرسال التسجيل الصوتي لخارج البلاد، في سلوك لا ينم عن احترام لمكانته الهاشمية، ولا لكونه ضابطا سابقا في الجيش العربي.
الحقيقة الرابعة، إن القول بأن القضية مفبركة برمتها لتصفية الحساب، لا يعد تشكيكا بمؤ سساتنا الأمنية والعسكرية فحسب، بل استخفافا بموقف دول كبرى وقادتها ما كانوا ليقبلوا إطلاق حملة تضامن ودعم مع الأردن لو لم تتوفر بين أيديهم معلومات موثقة ومصادق عليها من قبل أجهز تهم تؤكد صحة الموقف الرسمي الأردني.
الحقيقة الخامسة، أن الأزمة التي يمر فيها الأردن كشفت عن حاجة لا تقبل التأ جيل لمراجعة شاملة للسياسات والأدوات وإدارة شؤون البلاد، والتحرك السريع لإطلاق عمليات إصلاح واسعة وعميقة، تعيد للدولة بريقها وللمؤسسات هيبتها، ولرجال الدولة مصداقيتهم.