غلاء المعيشة و كورونا ضيفان قاسيان على المواطن

0 10

تحت سوط “البرد”، ترتفع دقات قلوب مواطنين، مما ألقى به الغلاء و”كورونا” على معيشتهم من تبعات قاسية تزيدهم إرهاقا مع مقدم فصل الشتاء، لتتحول حياتهم الى مجرد ترقب لساعة انتهاء هذا الفصل الذي بدأت بوادره تلوح بأنه سيكون حاد البرودة، وقاسيا.

 

طفلان ينتشلون أغراضا من حاوية قمامة

وكل شتاء قاس على الفقراء، الذين يلوبون في غمامة برده وصقيعه، وحاجاته التي لا تتوافر الا بطلوع الأنفاس، فالطعام، وكسوة الشتاء، والتدفئة، والتعليم، والمواصلات، والعلاج، بموازاة الخوف والترقب مما يحمله “كورونا” في هذه الايام، وما خلفه في الايام الماضية، تجتمع كلها عبئا شديد الارهاق، لتشكل مطالب الفئات الاشد فقرا، بينها نصل حاد يجرحهم أينما يمموا وجوههم.

قد تبدو الجهات الخيرية كالجمعيات وبعض الأفراد، وصندوق المعونة الوطني وبرامج الضمان الاجتماعي الحمائية، جزءا من حل للتخفيف عن هذه الفئات، لكن منسوب شدة الفقر، تضاعف جراء الحقبة الماضية من التوقف الكلي والجزئي للقطاعات عن العمل، مخلفا وراءه عشرات آلاف المتعطلين عن العمل، والعاملين بأجزاء من رواتبهم لا برواتبهم الكاملة، ليرفع العبء على الحكومة، ويضعها في مواجهة صعبة، تدرك حجم صعوبتها، عبر محاولاتها المضنية في اجتراح مبادرات تشغيل وتدريب وعون، وما الى ذلك مما قد يسهم بالحل.

وفي وقت تعمل هذه الجهات، مثل صندوق الزكاة وتكية ام علي على تقديم العون لآلاف الاسر والافراد، لانتشالهم من حافة العوز، وابقائهم في خانة الفقر نسبيا، الا ان هذه الجهات، باتت اليوم بحاجة ايضا للدعم، وخلق ملاذات لها، تمكنها من بناء مشاريع ذات طبيعة وقفية، لتستمر ديمومتها، ولترفع مستوى دعمها للفقراء.

وبالطبع، ندرك ان الفقر مقتل لأي خطة تنموية، ومثبط لأي مشاريع نهضوية، لذا، فإن العمل على الخروج من قمقمه، بات ملحا، بخاصة وان جائحة كورونا التي خلفت ظروفا اقتصادية موجعة في بلد محدود الموارد، تدعونا الى تغيير استراتيجيات عملنا في “قتل الفقر”.

فحتى اللحظة، ما تزال حلول المعونات الغذائية والمادية المحدودة للفقراء، ترواح مكانها، امام ما خلفته كورونا” من تبعات، بقيت مستمرة برغم فتح القطاعات، وعودتها الى العمل، وإن على نحو بطيء وتدريجي، في وقت يدخل فيه الشتاء بكامل قسوة صقيعه، ليضع حياة الفقراء ومن هم على وشك دخول بوابة الفقر، تحت مطرقته الثقيلة، بلا ملابس تقيهم برده وقسوته.

فهل توقفت الحلول الجذرية لما يعانيه الفقراء الذين تنعكس عليهم تبعات الفقر، وتضاعف حاجاتهم للعيش الطبيعي، وتزيد من حجم التزاماتهم المعيشية؟ هل ثمة أفق لتغيير الاوضاع بضع درجات نحو الاحسن؟ وهل يمكن للحكومة التي تعيش هي أيضا أزمات حادة، على صعيد ارتفاع الاسعار ومعدلات البطالة، وتراجع الدخل القومي، وانخفاض معدلات النمو، وتعثر العديد من المشاريع الاستثمارية، أن تخرج هذه الفئات من جحيمها؟

هل العون المحدود يسهم بوضع حد للفقر، وجعل كل فصل شتاء دافئا عليهم؟

نحن أمام اسئلة صعبة، تصبح سهلة حين يتحرك الوعي الرسمي بتغيير طريقته في التعاطي مع فكرة الاعانة والمساعدة المقطوعة أو المستمرة، ولكن على نحو محدود جدا، عن طريق بناء مؤسسة وطنية كبرى، يلتئم فيها صندوق وطني، يستند على إنشاء مشاريع مستدامة، تستطيع تحريك عجلة جزء من الاقتصاد الوطني، وتشغيل آلاف الفقراء، وتعليمهم الصيد بدل اعطائهم السمكة، وتمكينهم من العيش بكرامة.

فالأردن بموارده المحدودة، وبامكانيات الدعم القليلة، وفي ظل تفاقم تبعات كورونا، لا يملك عصا سحرية لاجتراح معجزة، تخرج جزءا كبيرا من مواطنيه من هذه المعضلة، ولكنه يمتلك الارادة في تحويل الازمات الى فرص، وإعادة برمجة طريقته في صناعة الحلول، لتغدو اكثر ملامسة للواقع وللحقيقة، ولتضع الفقراء على أول طريق للخلاص مما هم فيه.

وفي المعايير الاحصائية، فإن “الصدمة الاقتصادية” التي أنتجتها جائحة كورونا العامين الماضيين، عمقت معدلات الفقر، برغم ما سبق وقلنا أنه جهود رسمية وخيرية وفردية وان على نحو محدود، لدعم شبكة الأمان الاجتماعي، في محاولة للحد من تسارع عداد أرقام الفقر، وبرغم ذلك، فإن التوقعات الحكوميّة والدولية، تشي بأن الفقراء تجاوزوا المليون قبل الجائحة، ليشكلوا 15.7 % من السكان، لكن في سياق آخر، يخبرنا وزير التخطيط والتعاون الدولي ناصر الشريدة، بأنّ نسبة الفقر وصلت الى 24 %، قبل تنفيذ مسح دخل ونفقات الأسرة، بينما أشار البنك الدولي إلى أن معدل الفقر الوطني قد يرتفع لـ11 نقطة مئوية بالنسبة للأردنيين، بعد أن كان 15.7 % ليصل الى حوالي 27 %.

بهذه الارقام نكتشف أن انخفاض معدلات الفقر بقي يراوح مكانه في العقد الماضي، جراء تباطؤ النمو الاقتصادي، وضعف استحداث الوظائف، وتقسيم سوق العمل.

وكانت معدلات الفقر في المملكة شهدت ارتفاعات متتاليّة الاعوام الماضي الماضية، في العام 2010 قدرت بـ14.4 %، مقارنة بـ13.3 العام 2008، و13 % العام 2006.

المصدر (الغد)

اترك رد